قصيدة الحفار والوقت / بقلم الشاعر الراقي غسان دلل
الفنان ..الحفار والوقت.. الساعة قبل منتصف الليل تشير.. صليت..وانهيت مراسم التشييع.. فجثة اليوم في الحفرة.. بلا مواساة ... بلا رثاء وبلا تعبير.. تململت.. نفثت دخانا كثيفا من سيجارتي.. وانتظرت.. دقت الثانية عشر.. حياة اليوم انتهت.. أخرجت زفرة أخيرة.. ونثرت أخر حفنة تراب.. ونفضت ثواني مدبقة عن كفي.. وآثار الغبار.. فوقت البوم كان ثقيلا.. واثقل مما تتحمله يداي.. فتنفست الصعداء وسرحت.. فالساعة تعدت منتصف الليل.. ولا جديد..لا جديد.. فجلت بنظري.. اتجسس على الفراغ.. واتسلق العتمة واسوار الليل.. فرأيت.. ويا لهول ما رأيت.. يوم الأمس يتثاءب.. يفتح عينيه.. ويخرج من القبر يديه.. ذلك اللئيم.. بدأ ينفخ روحه في يوم آخر .. دون تردد ودون تأخير.. خفت وبدأت الهروب.. الى اين..الى اين..!!؟ فجمعت نفسي وانتصبت.. ها هي لحظة حياة تشتعل.. كضؤ شمعة لمعت.. لتنطفيء وتخيب.. فأعود لنفسي..حزينا..حزين.. فالزمن سقيم.. وعلي أن اهيء نفسي ليوم .. سيكتمل عما قريب.. أتأمل..اقلب الأمور..وافكر.. كيف لي أن اغتال القبيح.. بأقل الجهد وأقل التكاليف..!!؟ فإحترت..واحترت.. ثم صرخت.. وجدتها..وجدتها.. فلما لا أكرر ما فعلته بأمسي الغريب..!!؟ تذكرت الخطوط العريضة.. وراجعت التفاصيل.. ها هي خطة القتل جاهزة.. فاخترت الموقع.. وتسلحت بالأدوات.. ودرست طريقة التنفيذ.. ومختلف السناريوهات والأساليب.. ونمت.. فالنوم أحد أسلحة القتل .. دون عناء.. دون تدريب وتثريب.. وصحوت متاخر اجرجر جثتي الثقيلة.. بعدما كلما استيقظت.. خدرت نفسي بالصور الجميلة.. وذهبت في نوم عميق..!! خيالات..دورة افكار.. راض أنا.. فنصف اليوم تبدد ونصفه الثاني جاهز للتبديد.. وأنا حاضر بكل قواي.. لحفر قبر آخر من جديد.. فقتل الوقت فن.. لا يجيده من الناس إلا.. من لحمه الدهر..تلحيما.. وانتهى على أرصفة الحياة.. باءس وشريد.. وهو موهبة جاد الزمان بها علي.. لأصبح رائدا في ذاك الفن وسيد الفنانين.. فقتل الوقت ليس سخرية أو لعبة.. قتل الوقت بحاجة إلى خبرة.. وإلى الإجادة في التسديد.. وأنا بمرور العقود.. اصبحت سيد الخبراء والحفارين.. فقتل ربيع الفصول والسنوات اختصاصي.. فالزمان لم يعلمني.. إلا اجادة سحقه..وسحقي.. منذ سنين وسنين..دون تحديد.. فهل أنا في هذا الليل وحدي..!!؟ أم أن هناك على شاكلتي الملاين في وطني.!!؟. منهم من لا يعلمون.. ومنهم من يعلمون وينكرون.. فهذا انا الحفار عاري.. حتى من ورقة التوت.. بعدما قتل الإنسان الجميل أفكاري.. واجهض آمالي واحلامي.. وجفف من الجمال قلبي.. فكسر السطور في فمي.. وحطم الكلمات على شفاهي.. فالحياة.. غسلتني ساعة بساعة.. ونهارا بنهار.. بالهزائم والانكسار.. وجمعتني في مستنقع الإحباط والانتظار.. فشبابي تم ضبطه بزنى الأفكار.. فرجموني ورجموها.. بالحجارة.. بالرصاص والمتفجرات واعهر الكلمات.. فهاجرت إلى ما وراء الموت.. وها هم يطاردوني في مهجري بمالهم وعيونهم.. ويجللونني بالعار.. غسان دلل

تعليقات
إرسال تعليق